هذه مجموعة مقالات وضعتها في صفحتي على الفيسبوك أحببت أن أشاركها هنا أيضاً.
الجزء الثاني يتضمن خمسة مقالات أخرى تتحدث عن المورثات الأقل انتشاراً في العالم العربي والتي تميز شريحة معينة من شعوبه وطوائفه وأقلياته وهذه المورثات هي:
المورثة (تي) T: (وقد تمثل هذه المورثة حضارات بلاد الشام، وخاصة الكنعانيين)
المورثة (جي) G: (المنتشرة لدى الطائفة الدرزية)
المورثة (آي) I: (المنتشرة لدى الشعب اليهودي)
المورثة (إل) L: (المنتشرة لدى سكان مدينة الرقة السورية، والتي قد تمثل حضارات محلية قديمة كحضارة ماري أو ايبلا)
المقالة الخامسة:
هل ما زال الكنعانيون يعيشون بيننا؟
تحتل المورثة (تي) المرتبة الخامسة من حيث الانتشار في العالم العربي (بعد المورثة العربية ومورثة حضارات الهلال الخصيب ومورثة الفراعنة وشعوب الأمازيغ والمورثة الأوروبية). ويمتاز حاملو هذه المورثة بأنهم أول من استوطنوا الأرض ولجأوا إلى الزراعة كمصدر للرزق، وحدث ذلك في أراضي بلاد الشام حيث أقدم المستوطنات البشرية في العالم.
يعتقد أن أصل هذه المورثة يعود إلى انسان عاش في السهول الإيرانية قبل حوالي عشرين ألف سنة، ومنها هاجر أحفاده إلى الهلال الخصيب وبلاد الشام. لكن أقدم عينة لها اكتشفت في جنوب بلاد الشام (منطقة نبع الغزال في الأردن)، وهي تعود إلى بشر عاشوا قبل عشرة آلاف سنة ومن ثم قاموا ببناء الحضارة النطوفية التي انتشرت في القسم الجنوبي الغربي من بلاد الشام في ذلك الوقت. وهذه الشعوب هي أول من بنى المستوطنات البشرية، حتى قبل أن يلجؤون إلى الزراعة بعدة آلاف سنة.
ويعتقد أن اكتشاف الزراعة فتح الباب أمام هجرة واسعة لهذا الانسان والتي شملت كل بقاع الأرض. فحاملو هذه المورثة موجودون في أغلب بلدان العالم. وأوسع انتشار لهم هو في القرن الأفريقي ويعتقد أنهم هاجروا إليه عبر سيناء ومن ثم مصر ونهر النيل أو أنهم هاجروا مع حاملي المورثة العربية إلى شبه الجزيرة العربية ومنها وعبر البحر الأحمر إلى القرن الأفريقي. وتكاد تبلغ نسبة أكثر من 50% في بعض القبائل الصومالية والدجيبوتية.
أعلى نسبة لحاملي هذه المورثة في العالم العربي هي في بلاد الشام وما جاورها. وإليكم النسب:
- فلسطين 7%
- مصر 6%
- سوريا 5%
- لبنان 5%
- السعودية 5%
- الإمارات 5%
- العراق 4%
- الأردن 1%
وتكاد تختفي تماماً في الدول العربية البعيدة عن بلاد الشام حيث تبلغ 0% في اليمن والمغرب والجزائر وجنوب العراق وفقط نسبة 1% في تونس.
ما يلي هو اجتهاد شخصي قابل للنقاش والدحض:
لا يمكن الجزم بشكل مطلق أن حاملي هذه المورثة هم أحفاد الكنعانيين. لكن دراسة تاريخ بلاد الشام قد يلقي الضوء على بعض الحقائق التي قد تساعد على إقامة الصلة بين الاثنين.
وراثياً، من الصعب الفصل بشكل كامل بين الهجرات الطبيعية إلى بلاد الشام وبين الغزوات والاحتلالات التي مرت بهذه البلاد. مثلاً، المورثة العربية قد جاءت إلى بلاد الشام على شكل هجرة طبيعية قبل آلاف السنين ومن ثم رحل بعض حاملي هذه المورثة إلى شبه الجزيرة العربية وعادوا إليها على شكل غزوات. وكذلك الحال بالنسبة لمورثة حضارات الهلال الخصيب والمورثات الأفريقية والأوروبية.
لكن المورثة (تي) تختلف عن سابقاتها بأنها تعود إلى هجرات طبيعية بحتة وأن انسانها بنى حضاراته في بلاد الشام بشكل مستقل عن أي غزوات أجنبية. أول حضارة مستوطنة كانت الحضارة النطوفية في غرب بلاد الشام قبل عشرة آلاف سنة. كما نشأت فيما بعد حضارات شامية بحتة في غياب الاحتلالات الأجنبية، سواء من قبل الفراعنة أو الآشوريين أو الأوروبيين، مثل حضارات إبلا والكنعانيين والآراميين وغيرهم.
كما أن اكتشاف الزراعة جعل الانسان يستوطن في أمكنة ثابتة لا يحيد عنها، مما يسر الأمر لتكاثر مورثاته في تلك الأمكنة. لكن بالطبع هذا لن يمنع التنافس بين هذه المورثات (المحلية) والمورثات الأخرى (الأجنبية) على الانتشار والسيطرة، وقد يؤدي الأمر إلى تلاشي بعض المورثات إلى حد كبير. وهذا ما حدث للمورثة (تي) التي انخفضت بشكل كبير أمام المورثات الأخرى.
والسؤال الهام هو: هل هذه المورثة هي مورثة حضارات بلاد الشام المحلية، كالكنعانيين والآراميين والايبلاويين والنطوفيين وغيرهم؟
المقالة السادسة:
المختصر المفيد في أصول شعوب الدول العربية:
لقد تحدثت سابقاً عن المورثات الخمس الأكثر انتشاراً في العالم العربي وهي المورثة العربية ومورثة حضارات الهلال الخصيب والمورثتين الأفريقية والأوروبية وأخيرا مورثة حضارات بلاد الشام.
إلى جانب هذه المورثات، هناك حوالي خمسة عشرة مورثة أخرى، مع بعض تفرعاتها، وهي قليلة الانتشار في العالم العربي. وتكاد لا تتجاوز نسبة كل واحدة منها أكثر من 5% في بلد واحد أو في عدد قليل من البلدان.
وأصول هذه المورثات مختلفة المنشأ، فمنها ما نشأ في وسط أسيا أو جبال القوقاز ومنها ما جاء من أفريقيا أو أوروبا أو غيرها. وانتشار هذا الكم الكبير من المورثات أمر طبيعي في البلاد العربية، فهي مركز تلاقي الحضارات عبر التاريخ، حيث تنافست مختلف الامبراطوريات للسيطرة عليها. كما أن حقيقة أن الأديان السماوية الثلاثة قد نشأت في الشرق الأوسط جعلت هذه المنطقة مأوى للكثير من الحجاج الذين أتوا من كل البلاد للمكوث فيها.
ومن الملاحظ أن التنوع في هذه المورثات يزداد كلما اتجه المرء من مركز الشرق الأوسط إلى المناطق البعيدة من العالم العربي. ففي حال يوجد حاملي أغلب هذه المورثات في بلاد الشام والعراق ومصر، يبدأ عدد المورثات بالانخفاض تدريجياً حتى يصل الأمر إلى وجود عدد قليل من حاملي هذه المورثات في بلاد اليمن أو المغرب العربي. وقد يكون هذا الأمر ناجم عن أن بلاد الشام والعراق ومصر، تاريخياً، عانوا من الغزو الخارجي وهجرات الشعوب أكثر بكثير من جنوب شبه الجزيرة العربية والمغرب العربي.
وفي الختام، أحب أن أوضح بأن هذه المقالات هي للبحث في الأصل الوراثي لشعوب الدول العربية ولا يتعلق الأمر بثقافة هذه الشعوب أو بسياساتها. وضمن هذا الإطار بالإمكان أن نقسم العالم العربي إلى أربعة أجزاء بحسب نسبة المورثات في كل جزء.
- المناطق الشرقية والجنوبية من شبه الجزيرة العربية وهي التي تتميز بسطوة كبيرة للمورثة العربية مع انتشار بسيط للمورثة الأفريقية ومورثة حضارات الهلال الخصيب. وتكاد تختفي المورثة الأوروبية ومورثة حضارات بلاد الشام وأغلب المورثات الأخرى.
- العراق وبلاد الشام والمناطق الشمالية الغربية من شبه الجزيرة العربية وهي تتميز بأكبر خليط من المورثات وتتنافس عليها المورثة العربية ومورثة حضارات الهلال الخصيب والمورثة الأفريقية مع بعض التفوق البسيط للمورثة العربية على الأخريات. وفي هذا الجزء نجد نسبة لا بأس بها من المورثة الأوروبية ومورثة حضارات بلاد الشام. وفيه أيضاً تنتشر المورثات الأخرى وإن كان بنسب أقل.
- مصر، وهي كبلاد الشام والعراق، تتميز بتنوع كبير بالمورثات. لكن النسبة الأغلب هي للمورثة الأفريقية (أحفاد الفراعنة) وبفارق كبير عن المورثة العربية التي تحتل المرتبة الثانية. بينما تأتي المورثات الثلاثة الأخرى، المورثة الأوروبية ومورثة حضارات الهلال الخصيب ومورثة حضارات بلاد الشام، في المركز الثالث بالتساوي. ثم تأتي المورثات الأخرى بنسب أقل.
- بلاد المغرب العربي وهي التي تسود فيها المورثة الأفريقية (أحفاد شعوب الأمازيغ) وبشكل كبير يشبه سطوة المورثة العربية في جنوب الجزيرة العربية. وتأتي المورثة العربية هنا في المرتبة الثانية وبفارق كبير ثم يتبعها المورثة الأوروبية ومورثة حضارات الهلال الخصيب. وتكاد تختفي مورثة حضارات بلاد الشام ومعظم المورثات الأخرى أيضاً.
المقالة السابعة
أصول الأقليات الدرزية والكردية والآشورية:
الطائفة الدرزية:
تحدثت في مقالاتي السابقة عن وجود خمس مورثات واسعة الانتشار في العالم العربي والمرتبطة بحضارات طاغية سيطرت على العالم العربي في فترة معينة من التاريخ. لكن هناك العشرات من المورثات الأخرى والموجودة بنسب ضئيلة هنا وهناك، وهي تعكس التنوع العرقي الكبير في المجتمعات العربية. لكن هذه المورثات لم تثبت علاقتها بأي حضارة تاريخية معروفة. وبعض هذه المورثات منتشر وسط شريحة معينة من الشعب بشكل يفوق أي من المورثات الخمسة المسيطرة. وربما أكبر مثال على ذلك هو المورثة (جي) الموجودة لدى الطائفة الدرزية.
يشكل حاملو المورثة (جي) حوالي 12% من نسبة الدروز وهي أكثر انتشاراً من مورثة حضارات بلاد الشام (تي) التي تشكل 9% فقط. قد يكون ذلك لسببين: الأول هو أن أسلاف هذه الطائفة هاجروا حديثاً (نسبياً) إلى بلاد الشام. والثاني هو أنهم عاشوا في المناطق الجبلية المعزولة ولم يتزاوجوا كثيراً مع الناس المحليين.
والمورثة (جي) منتشرة في معظم أرجاء الكون ولكن بنسب ضئيلة. ويعتقد أن أصلها يقع في جبال القوقاز وهضبة الأناضول. وأعلى نسبة لهذه المورثة موجودة في منطقة أوسيتيا من جبال القوقاز وتبلغ 56%.
أما في البلاد العربية، فأعلى نسبة لها هي في لبنان وتبلغ 7% وهذا ليس مستغرباً لأن نسبة هامة من سكانه يتبعون الطائفة الدرزية.
وها هي النسب في الدول العربية:
- لبنان 7%
- مصر 6%
- الأردن 4%
- الإمارات 4%
- سوريا 3%
- فلسطين 3%
- السعودية 3%
- العراق 2.5%
- اليمن 1.5%
ونسبتها أقل من 1% في بقية الدول العربية الأفريقية.
لكن رغم هذا، لا تتفوق أي من هاتين المورثتين (جي) أو (تي) على المورثات الأربع السائدة في العالم العربي. ونسب هذه المورثات لدى الطائفة الدرزية هي على الشكل التالي:
- المورثة الأفريقية 19%
- المورثة العربية 17%
- مورثة حضارات الهلال الخصيب 17%
- المورثة الأوروبية 16%
- المورثة (جي) 12%
- مورثة حضارات بلاد الشام 9%
الأكراد:
يلاحظ أن التنوع العرقي (الوراثي) للأكراد لا يختلف كثيراً عن التنوع في الدول التي يعيشون فيها، حيث يلاحظ بروز دور هام للمورثة الأوروبية. كما يلاحظ انخفاض ملحوظ لنسبة المورثة العربية.
وكان هناك اختلاف بسيط في النسب بين دراستين، الأولى شملت الأكراد الإيرانيين والأخرى شملت الأكراد العراقيين، وخاصة فيما يتعلق بنسبة المورثتين العربية والأفريقية حيث زادت الأولى في العراق وزادت الثانية في إيران. لكن ظلت المورثة الأوروبية ومورثة حضارات الهلال الخصيب هما المسيطرتين في البلدين.
الأكراد الايرانيون:
- المورثة الأوروبية 27%
- مورثة حضارات الهلال الخصيب 24%
- المورثة الأفريقية 21%
- مورثة حضارات بلاد الشام 9%
- المورثة العربية 5%
الأكراد العراقيون:
- مورثات حضارات الهلال الخصيب 24%
- المورثة الأوروبية 22%
- المورثة الأفريقية 13%
- المورثة العربية 12%
- مورثة حضارات بلاد الشام 6%
الآشوريين:
أما بين الآشوريين، فقط ظهرت سطوة كبيرة للمورثة الأوروبية لا مثيل لها في أي دولة عربية أو شريحة اجتماعية أخرى. بينما كادت تختفي المورثة الأفريقية.
وأيضاً، كان هناك اختلاف بسيط بين الآشوريين الإيرانيين والعراقيين، خاصة فيما يتعلق بالمورثتين العربية ومورثة حضارات بلاد الشام.
الآشوريين الإيرانيين:
- المورثة الأوروبية 41%
- المورثة العربية 18%
- مورثة حضارات الهلال الخصيب 16%
- مورثة حضارات بلاد الشام 10%
واختفت تماماً المورثة الأفريقية
الآشوريون العراقيون:
- المورثة الأوروبية 41%
- مورثة حضارات الهلال الخصيب 23%
- مورثة حضارات بلاد الشام 18%
- المورثة العربية 12%
- المورثة الأفريقية 2%
المقالة الثامنة:
اليهود وما يجمعهم مع العرب:
هناك فروق بسيطة بين اليهود الشرقيين (السافارديك) ذوي الأصول شرق الأوسطية وشمال الأفريقية وبين اليهود الغربيين (الأشكينازي) ذوي الأصول الأوروبية. لكن كما في معظم الدول العربية، سيطرت المورثات الأربع الأكثر انتشاراً مع تفوق بسيط للمورثة الأوروبية على المورثات الأخرى (الأفريقية والعربية ومورثة حضارات الهلال الخصيب).
ويلاحظ غياب مورثة حضارات بلاد الشام بشكل شبه كامل لدى الشعب اليهودي وبروز مورثتين أخريين وهما المورثة (آي) وإلى حد ما المورثة (جي). وكنت قد تحدثت سابقاً عن المورثة (جي) المنحدرة من جبال القوقاز والمنتشرة لدى الطائفة الدرزية وهي تشكل نسبة 4% عند اليهود الغربيين ونسبة 8% لدى اليهود الشرقيين.
أما المورثة (آي) فهي أوسع انتشاراً من المورثة (جي) بين اليهود حيث تبلغ نسبة 6% لدى الغربيين ونسبة 12% لدى الشرقيين. وهذه المورثة تنحدر من جبال القوقاز أيضاً وأكثر انتشار لها اليوم هو في جنوب أوروبا وإسكندنافيا وأعلى نسبة موجودة في بعض المناطق في البوسنة حيث تصل إلى أكثر من 65%.
أما انتشارها في الدول العربية فهو حصري في أربع دول فقط وهي سوريا ولبنان (5%) والعراق (4%) والأردن (3.5%) بينما تختفي بشكل شبه تام في معظم الدول العربية الأخرى.
نسبة المورثات لدى اليهود هي على الشكل التالي:
اليهود الأشكينازي:
- المورثة الأوروبية 24%
- مورثة حضارات الهلال الخصيب 24%
- المورثة الأفريقية 23%
- المورثة العربية 19%
- المورثة (آي) 6%
- المورثة (جي) 4%
اليهود السافارديك:
- المورثة الأوروبية 33%
- المورثة الأفريقية 19%
- مورثة حضارات الهلال الخصيب 15%
- المورثة العربية 13%
- المورثة (آي) 12%
- المورثة (جي) 8%
وفي دراسة صغيرة لليهود من أصل كردي، تبين أن نسبة المورثة (جي) تبلغ 19% وهي ثالث مورثة من حيث الانتشار بينهم بعد المورثة العربية (22%) والمورثة الأوروبية (20).
لكن أغرب ما توصلت إليه الدراسات هو أن نسبة المورثة العربية بين اليهود ذوي الأصول التونسية قد بلغت 100%. هل هذا يعني أن جميع اليهود التونسيين هم من أصول عربية بحتة؟ يجب الأخذ بعين الاعتبار بأن هذه الدراسات صغيرة من حيث العينات المدروسة وقد تختلف النتيجة إذا ما شملت أعداداً أكبر من الشعب.
لكن حتى اليوم يمكن أن نقول بأن هذه الشريحة الاجتماعية (اليهود التونسيين) هي الوحيدة التي تحمل صفاءً عرقياً، فهي تفوق حتى نسبة المورثات العربية في منطقة كوباشي من داغستان التي تبلغ نسبة 99%.
المقالة التاسعة:
الموزاييك الشامي وعامل الجغرافية ولغز مدينة الرقة السورية:
منذ بدء التاريخ وبلاد الشام تتعرض للغزو الخارجي في معظم مراحلها التاريخية. في البدء كان الفراعنة يتنافسون عليها مع الآشوريين والحتيين والبابليين. ثم دخلت الحضارات الأوروبية (الرومانية والإغريقية والبيزنطية) وأخذت تتصارع مع الفرس ومن ثم دخل العرب المسلمون وتبعهم الصليبيون الأوروبيون ومن ثم المصريون الجدد والأتراك العثمانيون.
وإلى جانب كل هذه الغزوات والاحتلالات، كانت هناك حضارات محلية مثل الحضارة النطوفية (أقدم مستوطنة للإنسان في بلاد الشام) والايبلاوية والكنعانية والفينيقية وغيرها.
خلق مرور كل هذه الشعوب على بلاد الشام موزاييكاً نادراً للنسيج الاجتماعي فيها الذي تجلى من خلال تنوع المورثات فيها. لكن ضمن هذا التنوع كان هناك شيء من الاختلاف في كثافة كل مورثة في المناطق المختلفة من بلاد الشام.
في إحدى الدراسات، قسم الباحثون بلاد الشام إلى ثلاث مناطق من الشرق إلى الغرب.
- القسم الشرقي ويضم منطقة الجزيرة والبادية وتشمل دير الزور والرقة والحسكة والميادين.
- القسم الغربي ويضم المناطق الساحلية من سوريا ولبنان وفلسطين وتشمل المدن الساحلية من اللاذقية في أقصى الشمال إلى مدينة عكا في أقصى الجنوب مروراً بطرابلس وبيروت وصيدا.
- القسم الأوسط ويضم المدن السورية الأخرى (حلب وإدلب وحماه وحمص ودمشق والقنيطرة ودرعا والسويداء) مع منطقة الداخل اللبناني الذي يشمل البقاع والنبطية
ونلاحظ في هذه الدراسة بأن نسبة المورثات العربية انخفضت تدريجياً كلما اتجهنا من الشرق إلى الغرب حيث بلغت 48% في الشرق و29% في الوسط و20% في الغرب.
وعلى العكس من ذلك، زادت مورثة حضارات الهلال الخصيب كلما اتجهنا من الشرق إلى الغرب حيث بلغت 3% في الشرق و27% في الوسط والغرب معاً.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى المورثتين الأفريقية والأوروبية:
زادت المورثة الأفريقية من 4% في الشرق إلى 14% في الوسط و17% في الغرب. بينما زادت المورثة الأوروبية من 5% في الشرق إلى 10% في الوسط والغرب.
أما مورثة حضارات بلاد الشام فقد غابت عن القسم الشرقي تماماً. بينما شكلت حوالي 4% من القسم الساحلي وفقط 2% في القسم الأوسط.
لكن أكثر ما أثار الاستغراب هو تفوق مورثة نادرة في العالم العربي وهي المورثة (إل) في القسم الشرقي لبلاد الشام على حساب جميع المورثات الأخرى ما عدا العربية. وشكلت المورثة (إل) نسبة 31% وهو رقم غير عادي بين المورثات النادرة. والأغرب من هذا هو أن أكثر من نصف الأشخاص (51%) الذين جاؤوا من مدينة الرقة السورية حملوا هذه المورثة التي طغت حتى على المورثة العربية بينهم. بينما بلغت نسبتها في وسط وغرب بلاد الشام 5% فقط.
فما هي هذه المورثة؟
المورثة (إل) هي شقيقة مورثة حضارات بلاد الشام (تي) وهما تنحدران من المورثة (كيه) وكلا المورثتين (إل) و(تي) تمثلان أول انسان يلجأ إلى الزراعة في بلاد الشام. ووجدت مستحاثات تحمل هذه المورثة (إل) في منطقة الرقة تعود إلى أكثر من ثمانية آلاف سنة وكذلك الأمر في مستحاثات اكتشفت بالقرب من مدينة دمشق وتعود إلى نفس الحقبة الزمنية.
ويعتقد أن هذه المورثة نشأت في منطقة آسيا الصغرى ومنها انتشرت في كل أنحاء العالم وخاصة شبه القارة الهندية. وأعلى انتشار لها هو بين بعض القبائل الأثنية في تركيا (الأفشار 57%) وإيران (البارسي 55%) وثم تأتي مدينة الرقة في المرتبة الثالثة عالمياُ من حيث كثافة هذه المورثة.
أما بين الدول العربية فأعلى انتشار لها هو في سورية. وها هي النسب في العالم العربي:
- سوريا 10% (51% في مدينة الرقة وحدها)
- لبنان 5%
- السعودية 4%
- الإمارات 3%
- العراق 3%
- قطر 3%
- عمان 1%
- مصر 1%
وتختفي تماماً من باقي الدول العربية في شمال أفريقية.
رأي شخصي قابل للنقاش والدحض: أعتقد أن المورثة (إل) تمثل حضارات بلاد الشام القديمة التي انتعشت في شمال سوريا (مثل مملكة ماري أو إيبلا) لأن هذه المورثة هي شقيقة المورثة (تي) التي انتشرت في مناطق الكنعانيين في جنوب سوريا
مصادر هذه المعلومات هي دراسات موضوعة على الانترنت. ومعظم هذه الدراسات قامت على عينات صغيرة من الشعوب. ويجب الأخذ بالاعتبار بأن هذه المعلومات غير ثابتة وقد تتغير مع الزمن إذا ما تمت دراسات حديثة على عينات أكبر. هذا العلم في تطور دائم.
إليكم مصادر معلومات هذه المقالات:
2- https://en.wikipedia.org/wiki/Y-DNA_haplogroups_in_populations_of_the_Near_East